ضمن الجدل الدائر حول عمل المرأة وأن عملها خارج المنزل يضمن لها استقلاليتها وحريتها ويقلل من تسلط الرجل عليها ومن ثم يخف أو ينعدم العنف تجاهها، وما لهذه النظرية من استدلالات وشواهد، وقد عقدت مؤتمرات من أجلها، ونظمت نشاطات نسوية على الساحة العربية والاسلامية أيضاً من أجل تأمين عمل حر ومستقل للمرأة، بداعي إنها – المرأة العاملة- إن لم تدفع بعجلة الاقتصاد والإنتاج في البلد إلى الأمام، بينما يكون بقاؤها في البيت تعطيلاً لطاقات نصف المجتمع!
والرأي الآخر والذي غالباً ما تتمسك به الأوساط الدينية والذي يغاير الرأي الأول، يستندون في ذلك الى تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، بأن اهتمام المرأة بأسرتها وبيتها وأولادها أفضل من خروجها من المنزل للعمل، أما اضطرارها للعمل في حال عدم وجود معيل لها فذاك أمر آخر.
ولهذا الرأي أيضاً شواهد ودلائل قوية تظهر نتائجها في الحياة العصرية الممتزجة بالاكتئاب إضافة إلى الفوائد الاقتصادية لعملها في البيت، حيث التوفير في المصروف وعدم الالتجاء للطبخ الجاهز الغالي الثمن إضافة إلى رعاية الأولاد رعاية صحيحة وسليمة وتوفير أجواء نفسية مريحة في البيت، حيث الابتسامة والبشاشة والتفاؤل مما يفتح أسارير قلب الزوج المتعب فينسى تعبه ليأنس بزوجته فلذات كبده.
والآن كثرت الدراسات والصيحات والإعلانات على أن قلة النوم من أسباب الطلاق. وعمل المرأة خارج منزلها تؤثر في حياتها الزوجية، فهل أن الأشياء تبدأ ثم تتطور فتعود إلى البدء حيث كان ليتبين أنه جديد. فمما يؤيد الرأي القائل بعدم جدوى عمل المرأة خارج منزلها ما أكده خبراء الصحة والعلاقات الزوجية والأطباء النفسيون حيث يدقون ناقوس الخطر قائلين أن صحة حواء في هذا العصر في تدهور مستمر بسبب ضغوط الحياة من ناحية، وعدم الحصول على الراحة الكافية والقسط الوافر من النوم من ناحية أخرى بسبب عملها.
وتقول الإحصائيات الأخيرة أن إنسان القرن الحادي والعشرين (امرأة كان أو رجلاً) ينام ما بين (6 – 7) ساعات في اليوم بينما كان الإنسان منذ قرن مضى ينام (9) تسع ساعات في المتوسط، وهذا يعني أن المرأة خصوصاً إذا كانت عاملة تحرم نفسها من النوم بما مقداره ساعتين ونصف الساعة يومياً.
ولنا أن ندرك تأثيرات النوم غير الكافي على الإنسان بصفة عامة وعلى المرأة العاملة بصفة خاصة ومقدار ما يمكن أن تواجهه من مشكلات بسبب ذلك.
إن المرأة التي يقل نومها يومياً تعاني من الإرهاق وربما الصداع والعصبية والتصرف الطائش والسلوك غير العقلاني والتوتر وعدم الكفاءة في العمل ومعظم حوادث المرور سببها عدم النوم الكافي بل ثبت أن السهر يضر بالصحة ويقصر العمر ويقلل مشاعر السعادة بين الزوجين ويمكن أن يؤدي إلى الطلاق، والعلماء يقولون إننا من جيل قليل النوم، قليل الراحة، كثير المشكلات، عظيم المتاعب.
والعجيب أن التعب والضيق وشد الأعصاب والتشوش الذهني ليست هي فقط النتائج السلبية لقلة النوم وإنما هناك خسائر مادية ومشكلات اجتماعية واقتصادية تنتج عن السهر والأرق وعدم الحصول على قسط كاف من النوم. ومن بين الأضرار الناجمة، كثرة استئذانات الموظفين خصوصاً النساء وترددهم على العيادات والمستشفيات بسبب التعب والإرهاق والإصابات بالأمراض، ناهيك عن الحوادث المرورية والخسائر الناجمة عن الخلافات الشخصية والتوترات العصبية وحالات الطلاق المتزايدة، هذا إلى جانب تدني مستويات العمل والإنجاز بسبب الكسل والإرهاق وعدم التركيز. بل إن علماء النفس والاجتماع لاحظوا شيئاً عجيباً وهو أن معدل الذكاء لدى الإنسان ينخفض بمقدار نقطة واحدة عن كل ساعة حرمان من النوم (أقل من 8 ساعات يومياً).
ولما كانت المرأة العاملة تجد نفسها وسط دوامة من المسؤوليات تجاه نفسها وتجاه زوجها وأبنائها وبيتها وعملها وعلاقاتها الاجتماعية وللقيام بهذه المسؤوليات، فلا بد أن تكون في كامل صحتها وراحتها البدنية والنفسية والذهنية وهذا يتحقق بالنوم الكافي والغذاء الصحي والعادات الحسنة ذات الطابع الروحي كالصلاة والدعاء والإحسان وأعمال البر والتأمل والالتجاء إلى الله، والامتناع عن العادات السيئة والضارة كالتدخين وتبادل الأحاديث السيئة والمتشنجة مثل إحصاء عثرات الآخرين والحسد والغل والكراهية ضدهم، وقبل النوم ينبغي تطهير النفس من رواسب الأحاسيس السيئة والمشاعر السلبية وعدم تناول الأطعمة الدسمة والمياه الغازية، والحل الأمثل هو انصرافها إلى شؤون بيتها وأسرتها والقيام بأعمالها من خلال بيتها ومشاطرة زوجها وحل مشاكله وتسهيل أعماله. والاستسلام الأمثل دون الخضوع القبيح بل الإبداع في معاملاتها الأسرية والزوجية والأمومية بل النسوية على نطاق المجتمع والدين والأقرباء.
ولا يعني ترك المرأة عملها خارج المنزل لتجلس في البيت كرد فعل سلبي دون تفعيل أو إبداع في عمل البيت والعلاقات الأسرية، أو أن تلهو بما لا نفع فيه بل تضر نفسها والآخرين، أو أن تصرف وقتها في أعمال شائنة (لا قدر الله) ومعيبة وتافهة أو أن تستريح زيادة عن اللازم بأن ينقلب النوم كعمل يومي وعادة سيئة، أبداً... وإنما الساحة مفتوحة أمام المرأة ذات الكفاءة العلمية والمهنية العالية التي تطلبها مجالات عمل بعينها، قد لا ينجح الرجل في شغلها، مثل التمريض أو حتى بعض الاختصاصات الطبية، والتعليم، وأيضاً بعض الأعمال الادارية والوظيفية التي تُراعى فيها ظروف وخصائص المرأة وتعطيها حقها، لا أن تجهد المرأة وتكافح مثل الرجل وتضرب يميناً وشمالاً للدفاع عن راتب معين أو حقوق وظيفية معينة، أو ما أشبه ذلك من الأمور التي تدفع بالمرأة بدلاً من أن تكون عوناً للرجل في سوح العمل والتقدم، تقحم في دوامة المشاكل والأزمات التي طالما تعاني منها بلادنا على أكثر من صعيد.
وقد تحاشينا الحديث في هذا الحيّز حول المشاكل الأخلاقية التي لاشك ولا جدال أنها موجودة في بعض مجالات عمل المرأة، وهو أمر معروف والحديث عنه يمكن أن يثير الحساسيات أكثر مما يوصلنا الى غاية التذكير، فنحن كلنا ثقة بمجتمعنا المسلم، لكن محيط العمل في بعض الأماكن يجعل من عدم التقارب والتعامل المباشر أمراً صعباً أو حتى لدى البعض أمراً نشازاً لا يمكن القبول به! لذا آثرنا تأجيل هذا الحديث الى فرصة أخرى لتكون المعالجة أكثر دقّة وموضوعية بعيداً عن الإثارات والحساسيات، وكل رجائنا وأملنا بأن نجد المرأة المسلمة في بيتها تعيش الاستقرار والراحة والطمأنينة، لتكون قادرة على بثّ الدفء والحنان والعاطفة في نفوس نزلاء البيت الآخرين
إيمان عبد الأمير.